ما هومعبر
معبر هو بودكاست وثائقي ينقل شهادات وتجارب حياتية مختلفة تعكس محطّات مختلفة من تاريخ لبنان، وأبرزها الحرب الأهلية (1975-1990). كلمة "معبر" باللغة العربية تحمل أكثر من معنى واحد. المعبر هو الحاجز والممرّ الذي يُعيد إلينا ذاكرة الحرب المزدوجة في لبنان اليوم: الماضي الغارق في الذاكرة والذي ينعكس على الحاضر؛ والحاضر الذي يجب أن يتصالح مع الماضي ليصنع طريقًا نحو مستقبل مشترك. من خلال مئات السرديات التي تنقلها الحلقات، يمحو البودكاست الحدود الفاصلة بين الماضي والحاضر، بين الذاكرة والهوية، وبين المعاني والمفاهيم. وبهذه الطريقة، يعمل "معبر" على تفكيك الصور النمطية، ويتحدّى الأفكار المسبقة، ويُقدِّم مساحة خاصّة وفريدة لكلّ قصّة، فتتجمّع الحكايات لتُشكِّل معًا صورة حقيقية عن الحرب من زوايا مختلفة.
منذ انطلاقه عام 2022، صدرت ثلاثة مواسم من بودكاست "معبر". يُركِّز الموسم الأوّل على الحياة اليومية خلال الحرب –براءة الطفولة، أوّل قصّة حُبّ، وأوّل فرصة عمل – والتحدّيات اليومية المتكرّرة في ظلّ العنف والخسارة والصدمات النفسية التي سبّبتها الحرب، وخصوصًا بعد اختفاء آلاف الأشخاص وسقوط عشرات الآلاف من الضحايا. الموسم الثاني يتناول الصحافيين الذين غطّوا مُجريات الحرب، من مصوّرين ومُراسِلين لبنانيين وأجانب، حيث اختلط الواجب المهني مع الصراع من أجل البقاء والصمود. ثمّ يأتي الموسم الثالث ليُكمِّل هذه الروايات ويُضيف إليها قصص المسعفين في الخطوط الأمامية، أي الأطبّاء ورجال الإطفاء والمتطوّعين في الصليب الأحمر. أبطالٌ عمِلوا بصمت لإنقاذ الآخرين بعيدًا عن الاعتبارات الطائفية أو السياسية. البعض وَصَفَهم بالملاك الحارِس، والبعض الآخر اتَّهمهم بالتحكُّم والسيطرة. ظلّوا يحملون جراحًا لم تندمل بعد، وما زالت ذكريات الحرب تهمس في وجدانهم، بصوتٍ لا يخفت. يكشف "معبر" في كلّ حلقة صفحات جديدة من الذاكرة، ويكشف المشاعر الحقيقية، والأحلام التي لم تتحقّق، وألم الماضي المدفون من سنين.
ما هومعبر
فكرة البودكاست نابعة من حاجتنا إلى فهم تأثير الحرب الأهلية اللبنانية على حياة الناس – أثناء الحرب وبعد انتهائها. وُلِد المشروع من حالةٍ من التناقض: حرب موجودة في تفاصيل حياتنا اليومية، لكنَّنا لا نُناقشها بشكل واضح أو صادق أو جريء.
كلّنا نعرف أنَّ الحرب وقعت وغيّرت مجرى الحياة وأنَّ الحياة كانت "مختلفة" قبل الحرب. وبالرغم من ذلك، ينحصر الحديث عن الحرب ضمن حدود العائلة، وحتّى في تلك الحلقة الضيّقة يبقى التكتُّم سيّد الموقف. يتسلّل عبء الحرب عبر كلّ ما لا يُقال، والتوتّر المستمرّ، والشعور الدائم بالقلق. وفي الأماكن العامّة، تَظهَر الحرب كخوفٍ عابر أو كتبريرٍ لبعض التصرُّفات. بقيت الحرب جزءًا من حياتنا، لكنَّنا نادرًا ما نتجرّأ على مواجهتها.
ذاكرة الحرب لم تعُد مجرّد حديث عائلي حول طاولة الغداء يوم الأحد، بل خرجت من إطار العائلة ومن "دائرة الأمان" لتتحوّل إلى تاريخٍ نتجاهله عن قصد. في سنة 1991، تمّ إقرار قانون العفو الذي قَدَّم حماية قانونية لزعماء الحرب، وفَرَض نوعًا من النسيان برعاية الدولة. تمّ تغييب الحرب من المناهج التعليمية، فلم تتمكّن الأجيال الناشئة من فهم الماضي – انتقلت إليهم الصدمات النفسية التي ورثوها عن أهلهم بدون أن يفهموا سياق الحرب، وانطبعت فيهم روايات يسمعونها في محيطهم وتبقى محصورة في إطارٍ ضيّق ومتحجِّر. الصمت أسهل، ولو كانَ خطِرًا – فالمزاج العام يُفضِّل عدم فتح الأبواب المغلقة، ودفن الجراح في طيّ النسيان بدلًا من مواجهة تعقيدات الحرب وتناقضاتها.
"معبر" يُعالِج هذا الواقع بطريقة مباشرة. ويُواجِه محاولات المحو من خلال إعلاء الصوت رغم الانقسامات، وتقديم سردية موثوقة بديلة عن الخطاب الأحادي المُسيَّس الذي يُعزِّز العنف. الوقت يداهمنا: فالأشخاص الذين عاشوا الحرب صاروا في السبعين والثمانين من عمرهم. عبر حفظ رواياتهم، يُساهِم "معبر" في بناء ذاكرة جَمَاعية تُشجِّع على الفهم بدلًا من إلقاء اللَّوْم، وتفتح مساحة للإصغاء، والتعلُّم، والبكاء والتعبير عن الغضب، والتأمُّل بدلًا من التزام الصمت.
لماذا معبر
انطلاقًا من مفاهيم ومبادئ التاريخ الشفهي، يجمع "معبر" أصوات وذكريات أشخاص من خلفيات متنوّعة – شهود عيان من الخطوط الأمامية، من مهنيين ومدنيين، ويحفظها ويُفسِّرها. على مدى ثلاث سنوات، أُجرِيَت أكثر من 130 مقابلة، حيث تمّ تحديد الرواة من خلال الشبكات الشخصية والمجتمعية، وتمّ توسيع العيّنة تدريجيًا، مع التركيز على التنوّع الجغرافي والاجتماعي ومشاركة الرواة من الرجال والنساء. كانت المقابلات شبه مُنظَّمة والأسئلة مفتوحة، فحصل الرواة على هامش من الحرّية لتوجيه دفّة الحوار، مع التأكيد على أهمية الموافقة الواعية. ونظرًا للحساسية المستمرّة المُحيطة بموضوع الحرب، سُجِّلَت جميع المقابلات صوتيًا حصرًا لضمان الخصوصية والحماية.
تحتوي كلّ حلقة على مقتطفات من المقابلات – أحيانًا أكثر من 20 مقطعًا في الحلقة الواحدة – وتتناول موضوعًا واحدًا لتمثيل رواية مشتركة. لا تتقيّد الحلقات بالتسلسل الزمني، بل تُبرِز المأساة المشتركة للحرب. في الوقت نفسه، لا يدّعي مشروع "معبر" أنَّه يلتزم بمبدأ "الموضوعية"، بل يتقبّل النزعة الذاتية للذاكرة كأداة لفهم كيفية إعادة بناء الماضي، وتأثير هذا الماضي على المشاعر والهويات في الحاضر. تشمل هذه العملية المكثّفة مواسم موضوعية مقرّرة مسبقًا، واختيارًا دقيقًا لمقتطفات متكاملة أو متناقضة، وتصميمًا صوتيًا احترافيًا يلتقط كلّ التفاصيل – من خشونة الصوت، إلى الضحك، إلى كبح البكاء، أو لحظات الصمت التامّ. وتُضيف المؤثّرات الموسيقية مزيدًا من العمق العاطفي والسردي، لتأخذ المُستمِع في تجربة غامرة تُقرِّب الماضي من الحاضر. بالتالي، "معبر" ليسَ مجرّد بودكاست – بل هو تجربة متعدّدة الأبعاد تحفظ الذاكرة وتُعيد رسم ذكرى الحرب اللبنانية.
كيف حال معبر
فريق معبر
انطوني الطويل
إعداد و إنتاج
سيدريك قيّم
إعداد و إنتاج
جيني منرو
المنتجة التنفيذيّة
ماريا بشور أبو النصر
مستشار التاريخ الشفهي
معرض
دعم معبر
يتطلّب إنتاج البودكاست الكثير من الوقت والالتزام. نحن ملتزمون بإبقاء البودكاست متاحًا للجميع مجانًا – لكنَّ ذلك لا يتحقّق إلّا بدعم الأفراد. من خلال دعمك لنا، تُساهِم في استمرار هذا العمل وتطويره – عبر أصوات وأجيال وقصص لا تزال تنتظر أن تُروى. وهذا الدعم يُعبِّر عن إيمانك بأهمية توثيق ماضينا والتفاعل معه، لفهم حاضرنا بشكل أفضل. "معبر" لا يروي فقط ما حدث – بل يتساءل كيف نعيش مع تلك الأحداث اليوم.