التاريخ نسيج جماعي معقّد، تنسجه خيوط لا تُعدّ ولا تُحصى من القصص الشخصية والتجارب ووجهات النظر. يدعو هذا التجهيز الصوتي، المزوّد بمكبّر صوت موجّه، الجمهور إلى التفاعل مع هذه الروايات المختلفة، والتنقّل بينها من خلال تغيير زاوية الاستماع دون الحاجة إلى تغيير أماكنهم.

يتمثّل الشكل الأوّلي لهذا العمل في منشأة دائرية شبيهة بالـ&quot;ماري-غو-راوند&quot;، مصمّمة خصيصًا لتُعرض في فضاء داخلي، أو في موقع خارجي يوفّر مصدرًا للكهرباء. تتكوّن المنصّة من 6 مقاعد و6 مكبّرات صوت، بقطر 1.5 متر، وتتطلّب أرضية ثابتة لتحمّل وزنها. كما يمكن استخدام المكبّرات الصوتية بشكل مستقل ومنفصل عن الهيكل المعدني، لتتحوّل إلى تجربة غامرة بحدّ ذاتها.

الدوّارة

تمّ تصوُّر &quot;معبر&quot; كمساحة متعدّدة الأبعاد لحفظ الذاكرة وإعادة تشكيل كيفية تذكُّر الحرب في لبنان. فهو ليس مجرّد بودكاست، بل ينطلق من الصوت ليتلاقى مع الصورة، من خلال تطوير فيلم صوتي يسعى للوصول إلى جمهور أوسع وتحفيز تفاعل أعمق مع ماضي لبنان المؤلم. بالشراكة مع رسّام صور متحرّكة، يجمع الفيلم بين تسجيلات صوتية وصور أرشيفية التُقطت على يد مُصوِّري الحرب، ورسوم متحرّكة تُنسَج لتُشكِّل سردًا بصريًا متماسكًا. لا تهدف الصورة إلى أن تطغى على الصوت، بل إلى تعزيزه &ndash; هي دائمًا في خدمته، ولا تُشتِّت الانتباه عنه. تؤدّي الرسوم المتحرّكة دور الدليل إلى العالم العاطفي الذي تحمله القصص، في توازنٍ دقيق بين الصوت والصورة من أجل الوصول إلى جوهر القصّة.

بعد 300 ساعة من التسجيل، وأكثر من 120 مقابلة، وثلاثة مواسم تضمّ 27 حلقة، يُركِّز الفيلم على عدد من المواضيع الجوهرية المُستمَدّة من البودكاست، أبرزها: رفض الصمت، والسرديات الخارجية التي تجعل من لبنان حالة غريبة، وعبثية الحرب، واستمرار آثار الصدمة في الحاضر. يرتكز الفيلم على المادّة الأساسية ذاتها، ويُقدِّم تأمّلًا واستجابةً &ndash; مساحة يتلاقى فيها صنّاع &quot;معبر&quot; مباشرةً مع الأصوات التي أصغوا إليها طوال سنوات لرسم مسار من الانحدار والضياع إلى التأقلم والجنون والانكسار.

لا يُقدِّم الفيلم أجوبة، لكنَّه يُخاطِب كثيرين: جيل الحرب الذي لم يُسمَع؛ جيل ما بعد الحرب الذي لم يُعلَّم؛ شباب اليوم الذين يُواجِهون صراعات متجدّدة؛ والمغتربين الباحثين عن صلة الوصل مع ماضٍ مُمزَّق. أمّا الجمهور العالمي، وخصوصًا في أماكن أنهكتها الحروب المستمرّة، فيجد في &quot;معبر&quot; فرصة للاستماع العميق، وتذكيرًا بأنَّ الحرب ليست فكرة بعيدة أو مجرّدة، بل هي قوّة تدميرية لا تؤدّي أبدًا إلى سلامٍ عادل ودائم.

سكتت الناس: ١٩٧٥ - ١٩٩٠

&quot;معبر&quot; أكثر من مجرّد بودكاست &ndash; إنَّه محاولة مستمرّة لفهم الذاكرة، والصمت، وصدى الحرب الذي لا يزال يصدح في حاضر لبنان. للاستماع قوّة كبيرة، يمكن القول حتّى إنَّها تحويلية. لكنَّ بعض التأمّلات يصعب على الأفراد خوضها بمفردهم. لهذا السبب، يدخل &quot;معبر&quot; إلى الصفوف الدراسية والمهرجانات وحلقات النقاش وورش العمل &ndash; لإفساح المجال أمام الحوار والتعاون والتعامل الجَمَاعي مع إرث الماضي.

لا تقتصر أنشطتنا على تقديم البودكاست، بل تشمل أيضًا التفاعل مع الأسئلة التي يطرحها. كيف نحمل الذاكرة عبر الأجيال؟ وما الذي تعنيه أرشفة التجارب الحياتية؟ كيف نبدأ بالتعامل مع الصدمة الجَمَاعية التي لا نعترف بها علنًا؟

من خلال الأحاديث العامّة والنقاشات الخاصّة، التقينا بمستمعين وباحثين وفنّانين وطلّاب يحاولون الإجابة عن هذه الأسئلة &ndash; أسئلة عن الحرب، وعن لبنان، وعن فصول التاريخ التي لا تزال تُشكِّل حاضرنا. وبفضل جلسات الاستماع العامّة والعلوم والذاكرة (كما في نقاشنا بتاريخ ١٣ نيسان/أبريل مع ألبير مخيبر)، أو أخلاقيات التوثيق في زمن الحرب (كما في نقاشنا في مهرجان Le Court في مدينة كليرمون فيران الفرنسية)، نستكشف الأرضية التي تلتقي فيها القصص الشخصية مع المسؤولية الجَمَاعية. وطوال رحلتنا هذه، دُعينا إلى جامعات في بيروت ومدينة خنت البلجيكية، وشاركنا في حلقات نقاش في باريس وسراييفو، وستكون لنا مساهمة في مؤتمرات دولية حول التاريخ الشفهي والمصالحة في كراكوف في بولندا.

ونحن منفتحون على المزيد من الفُرَص. إذا شعرت بأنَّ &quot;معبر&quot; قد أثَّرَ فيك &ndash; إذا أثارَ تساؤلًا أو حَفَّزَ مشروعًا أو جُهدًا تعاونيًا لديك &ndash; تواصل معنا. فنحن مستعدّون لخوض النقاشات التي ليست لها إجابات واضحة، ولبناء العلاقات التي تنشأ عندما نُفكِّر معًا. فالذاكرة ليست جامدة، بل تنمو من خلال السرد وتتوسَّع عبر الاستماع والإصغاء.

أنشطة

تُقدِّم المعارض الصوتية نوعًا مختلفًا من الإصغاء &ndash; إصغاء يجمع الناس، جسديًا وعاطفيًا. على عكس البودكاست الذي غالبًا ما يُسمَع لوحده وبشكلٍ داخلي، تخلق هذه المعارض تجارب جَمَاعية تمحي الخطّ الفاصل بين الطابع الشخصي والمساحة المشتركة. وتفتح المجال للمستمعين ليتواصلوا مع الرواة، ومع بعضهم البعض.

في جوهرها، تُوسِّع هذه المعارض نطاق البودكاست الذي يرتكز على تعدُّد وجهات النظر. كلّ حلقة مُصمَّمة لتُظهِر كيف تتغيّر الذاكرة حسب الموقف، وكيف يمكن للحظة واحدة أن تُعاش بطرق مختلفة تمامًا. من خلال السماعات الاتّجاهية والسماعات المُدمَجة في الأغراض، يُوجِّه الصوت المستمعين ليتفاعلوا مع المساحة بطرق متعدّدة &ndash; ويَشدُّهم إلى قصص ووجهات نظر مختلفة.

تتكيّف المعارض مع الأماكن التي تُعرَض فيها. تتفاعل مع المحيط وتُعيد تشكيله، سواء كانت في صالة عرض، أو ساحة عامّة، أو غرفة هادئة. الأمر الوحيد الذي لا يتغيّر هو هدفها: إضفاء طابع شخصي ومباشر على القصص، فيصبح من الصعب تجاهلها. صُمِّمَت المعارض لتكون متنقّلة، في لبنان وخارجه، ولتَصِل إلى الناس الذين ما كانوا ليسمعوا بـ &quot;معبر&quot; لولاها.

الدوّامة (2023): تَستخدِم هيكلًا دائريًا دوّارًا يُذكِّرنا بطفولتنا. تبثّ السماعات الاتّجاهية أصواتًا متعدّدة، وكلّ صوت يروي قصّة مختلفة. ومع دوران المنصّة، يبقى المستمعون في أماكنهم بينما تتبدّل وجهات النظر حولهم. كلّ صوت يحمل الوزن ذاته &ndash; لا نقطة انطلاق، ولا حقيقة مركزية تنطلق منها باقي السرديّات. التجربة جَمَاعية، ولكنَّها في الوقت نفسه حميمية: تتردّد الأصوات من كلّ جانب، مُتمايِزة ومترابطة. يدعو هذا المعرض إلى التأمّل في طريقة رواية القصص وتلقّيها، وكيف يمكن لطيفٍ واسعٍ من وجهات النظر أن يُقرِّبنا من تجربة مشتركة. وعندما تبدأ الخطوط التي تفصل بيننا بالزوال، لا يعود هناك &quot;الآخر المختلف عنّا&quot;.

وجهة نظر (2025): السماعات مُدمَجة داخل الأغراض، فتضع المستمعين مباشرةً في المساحة الجسدية والعاطفية للراوي &ndash; يرون، ويسمعون، ويشعرون من وجهة نظره. بخلاف السرد التقليدي، يدعو هذا المعرض إلى عيش ذاكرة الآخر بقرب حسيّ تامّ، فيواجهون اللحظة لا كشهود، بل كمشاركين فعليين. يتكوّن المعرض من ثلاثة أجزاء مترابطة &ndash; النظرة، والاختيار، والجهة الأخرى &ndash; ويستكشف لحظات غير متوقّعة من التواصل والانفصال. نظرة مشتركة في الظلام، والعبء الذي لا يُحتمَل لاختيار مَنْ يعيش ومَنْ يموت، وخصوصية الوقوع في الحبّ عبر خطوط العدو انطلاقًا من الصوت وحده. إنّها قصص مبنيّة على وجهة النظر، حيث يتكوّن الفهم بفعل القرب من التجربة.

المشاريع